الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
.فَصْلٌ: [إطْعَامُ الْبَهِيمَةِ]: (وَ) يَحْرُمُ (تَحْمِيلُهَا) أَيْ الْبَهِيمَةِ (مُشِقًّا)؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهَا (وَ) يَحْرُمُ (حَلْبُهَا مَا يَضُرُّ وَلَدَهَا)؛ لِأَنَّ لَبَنَهُ مَخْلُوقٌ لَهُ أَشْبَهَ وَلَدَ الْأَمَةِ، وَيُسَنُّ لِلْحَلَّابِ أَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يَجْرَحَ الضَّرْعَ. (وَ) يَحْرُمُ (ذَبْحُ) حَيَوَانِ (غَيْرِهِ مَأْكُولٍ لِإِرَاحَةٍ)؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مَا دَامَتْ حَيَّةً، وَذَبْحُهَا إتْلَافٌ لَهَا وَقَدْ نُهِيَ عَنْ إتْلَافِ الْمَالِ. (وَ) يَحْرُمُ (ضَرْبُ وَجْهٍ وَوَسْمٌ فِيهِ) أَيْ: فِي الْوَجْهِ؛ «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَعَنَ مَنْ ضَرَبَ أَوْ وَسَمَ الْوَجْهَ، وَنَهَى عَنْهُ» ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجُوزُ الْوَسْمُ إلَّا لِمُدَاوَاةٍ، وَقَالَ أَيْضًا يَحْرُمُ لِقَصْدِ الْمُثْلَةِ (وَيَجُوزُ) الْوَسْمُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ: الْوَجْهِ (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) كَالْمُدَاوَاةِ (وَيَتَّجِهُ) جَوَازُ الْوَسْمِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فِي الْبَهَائِمِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْقِنِّ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلَهُ حُرْمَةٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُكْرَهُ خَصْيُ غَيْرُ غَنَمٍ وَدُيُوكٍ) وَيَحْرُمُ الْخَصِيُّ فِي الْآدَمِيِّينَ لِغَيْرِ قِصَاصٍ وَلَوْ رَقِيقًا، وَيُكْرَهُ (جَزُّ مَعْرِفَةٍ وَنَاصِيَةٍ وَجَزُّ ذَنَبٍ وَتَعْلِيقُ جَرَسٍ أَوْ وَتَرٍ) لِلْخَبَرِ، وَيُكْرَهُ لَهُ إطْعَامُهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَإِكْرَاهُهُ عَلَى الْأَكْلِ عَلَى مَا اتَّخَذَهُ النَّاسُ عَادَةً لِأَجْلِ التَّسْمِينِ قَالَهُ فِي الْقُنْيَةوَيُكْرَهُ (نَزْوُ حِمَارٍ عَلَى فَرَسٍ) كَالْخِصَاءِ، لِأَنَّهُ لَا نَسْلَ فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا، وَيَجِبُ عَلَى مُقْتَنِي الْكَلْبِ الْمُبَاحِ أَنْ يُطْعِمَهُ وَيَسْقِيَهُ أَوْ يُرْسِلَهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لَهُ؛ وَلَا يَحِلُّ حَبْسُ شَيْءٍ مِنْ الْبَهَائِمِ لِتَهْلِكَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا وَلِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ، وَلَوْ غَيْرَ مَعْصُومَةٍ، لِحَدِيثِ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ». (وَيُبَاحُ تَجْفِيفُ دُودِ قَزٍّ بِشَمْسٍ) إذَا اسْتَكْمَلَ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ (وَتَدْخِينُ زَنَابِيرَ) دَفْعًا لِأَذَاهَا بِالْأَسْهَلِ (فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُهَا إلَّا بِحَرْقٍ جَازَ) إحْرَاقُهَا قَالَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَنْظُومَةِ الْآدَابِ، وَكَذَا الْقُمَّلُ وَالنَّمْلُ وَنَحْوُهُمَا إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُهُ إلَّا بِحَرْقِهِ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ النَّاظِمُ؛ وَقَالَ: إنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ صَاحِبَ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فَقَالَ مَا هُوَ بِبَعِيدٍ. .(فَرْعٌ): [نَفَقَةُ الْمَالِكِ عَلَى مَالِهِ]: .بَابُ الْحَضَانَةِ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَضَعْفُ الْبَصَرِ يَمْنَعُ مِنْ كَمَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَحْضُونُ مِنْ الْمَصَالِحِ انْتَهَى. (وَكَذَا لَوْ كَانَ بِالْأُمِّ بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ) سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ (وَصَرَّحَ بِهِ الْعَلَائِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ؛ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَى الْوَالِدِ مِنْ لَبَنِهَا وَمُخَالَطَتِهَا) انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ وَهُوَ وَاضِحٌ فِي كُلِّ عَيْبٍ مُتَعَدٍّ ضَرَرُهُ إلَى غَيْرِهِ. وَلَا حَضَانَةَ لِامْرَأَةٍ (مُزَوَّجَةٍ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ مَحْضُونٍ، وَيُوجَدُ غَيْرُهَا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» وَلِأَنَّهَا تَشْتَغِلُ عَنْ الْحَضَانَةِ بِحَقِّ الزَّوْجِ؛ فَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا (زَمَنَ عَقْدِهِ)؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ مَلَكَ مَنَافِعَهَا، وَاسْتَحَقَّ زَوْجُهَا مَنْعَهَا مِنْ الْحَضَانَةِ، فَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِقَرِيبِ مَحْضُونِهَا وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ لَهُ لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا (وَلَوْ رَضِيَ زَوْجٌ) بِحَضَانَةِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْحَضَانَةَ بِذَلِكَ (لَكِنْ تُرْضِعُهُ) أُمُّهُ الْمُزَوَّجَةُ بِأَجْنَبِيٍّ (كَمَا، مَرَّ) وَيَحْضُنُهُ غَيْرُهَا. وَلَوْ اتَّفَقَ أَبُو الْمَحْضُونِ وَأُمُّهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فِي حَضَانَتِهَا وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ، وَرَضِيَ زَوْجُهَا جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ لَازِمًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ؛ وَأَيُّهُمْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فَلَهُ ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَ أُمِّهِ الْمُزَوَّجَةِ وَمَنْ تَسْتَحِقُّ حَضَانَتَهُ (لِبُعْدٍ) بَيْنَهُمَا (قُدِّمَتْ أُمُّ) مَحْضُونٍ (إذَنْ) أَيْ: حِينَ التَّعَذُّرِ (بِهِمَا) أَيْ: بِالْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ مَعًا، وَلِأَنَّ تَزَوُّجَهَا بِالْأَجْنَبِيِّ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهَا مِنْ إرْضَاع وَلَدهَا، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ بِذَلِكَ حَضَانَتُهَا، وَانْتَقَلَتْ لِمَنْ بَعْدَهَا فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَادَ اسْتِحْقَاقُهَا لِحَضَانَةِ وَلَدِهَا، لِكَمَالِ شَفَقَتِهَا عَلَيْهِ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَنَازَعَ عَمَّيْنٍ وَنَحْوُهُمَا فِي حَضَانَةٍ وَأَحَدُهُمَا مُتَزَوِّجٌ بِالْأُمِّ أَوْ الْخَالَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَلِيهَا بِمَنْ لَهُ قَرَابَةٌ وَشَفَقَةٌ (بِمُجَرَّدِ زَوَالِ مَانِعٍ) مِنْ رِقٍّ أَوْ فِسْقٍ أَوْ تَزَوُّجٍ بِأَجْنَبِيٍّ (وَلَوْ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ؛ وَلَمْ تَنْقُضْ عِدَّتَهَا) يَعُودُ الْحَقُّ (وَ) بِمُجَرَّدِ (رُجُوعِ مُمْتَنِعٍ) مِنْ حَضَانَتِهِ (يَعُودُ الْحَقُّ) لَهُ فِي الْحَضَانَةِ؛ لِقِيَامِ سَبَبِهَا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ لِمَانِعٍ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْحَقُّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ الْمُلَازِمِ. (وَكَذَا وَقْفٌ) وَقَفَهُ إنْسَانٌ عَلَى أَوْلَادِهِ بِشَرْطِ أَنْ (مَنْ يَتَزَوَّجُ لَا حَقَّ لَهُ، فَتَزَوَّجَتْ) وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِنَّ أَوْ أَكْثَرُ (ثُمَّ طَلُقَتْ؛ فَيَعُودُ) إلَيْهَا حَقُّهَا؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَمِثْلُهُ. (لَوْ وَقَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ مَا دَامَتْ عَازِبَةً، فَتَزَوَّجَتْ) زَالَ حَقُّهَا؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ (فَإِنْ طَلُقَتْ وَكَانَ قَدْ) عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ (أَرَادَ بِرَّهَا) مَا دَامَتْ عَازِبَةً (وَيَتَّجِهُ أَوْ جَهِلَ مُرَادَهُ) فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا أَرَادَ؛ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قُلْت الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى مَا فِيهِ نَفْعٌ وَصِلَةٌ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَقْفِ إنَّمَا هُوَ جَرَيَانُ الصَّدَقَةِ عَلَى الدَّوَامِ؛ وَإِذَا لَمْ نَقُلْ بِرُجُوعِهِ إلَيْهَا يَقْتَضِي أَنْ نَمْنَعَهَا مِمَّا هُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِيهِ حَقٌّ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ- (رَجَعَ) إلَيْهَا (حَقُّهَا) كَالْوَقْفِ عَلَى بَنَاتِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُنَّ فَلَا حَقَّ لَهَا. (وَإِنْ أَرَادَ صِلَتَهَا مَا دَامَتْ حَافِظَةً لِفِرَاشِهِ فَلَا حَقَّ لَهَا)؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَزَالَتْ ذَلِكَ بِتَزَوُّجِهَا؛ (وَمَتَى أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْنِ) لِمَحْضُونٍ (نَقْلَهُ إلَى بَلَدِ أَمْنٍ، وَطَرِيقُهُ) أَيْ الْبَلَدِ مَسَافَةُ قَصْرٍ فَأَكْثَرُ (لِيُسْكِنَهُ) وَكَانَ الطَّرِيقُ أَيْضًا آمِنًا (فَأَبٌ أَحَقُّ) لِأَنَّهُ الَّذِي يَقُومُ عَادَةً بِتَأْدِيبِهِ وَتَخْرِيجِهِ وَحِفْظِ نَسَبِهِ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ أَبِيهِ؛ ضَاعَ (مَا لَمْ يُرِدْ) الْأَبُ (بِنَقْلَتِهِ مُضَارَّتَهَا) أَيْ: الْأُمِّ وَانْتِزَاعَ الْوَلَدِ مِنْهَا (قَالَهُ فِي الْهَدْيِ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يُجِبْ إلَيْهِ)، بَلْ يَعْمَلُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْوَلَدِ (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْأَبِ مَعَ يَمِينِهِ (فِي إرَادَةِ النَّقْلَةِ) إلَى بَلَدِ كَذَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِمَقْصُودِهِ، وَإِنْ انْتَقَلَ الْأَبَوَانِ إلَى بَلَدٍ وَاحِدٍ فَالْأُمُّ بَاقِيَةٌ عَلَى حَضَانَتِهَا؛ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهَا، وَإِنْ أَخَذَهُ الْأَبُ لِافْتِرَاقِ الْبَلَدَيْنِ، ثُمَّ اجْتَمَعَا عَادَتْ إلَى الْأُمِّ حَضَانَتُهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ نَقْلَهُ (إلَى بَلَدٍ قَرِيبٍ) دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْ بَلَدِ الْآخَرِ (لِسُكْنَى فَأُمٌّ) أَحَقُّ فَتَبْقَى عَلَى حَضَانَتِهَا؛ لِأَنَّهَا أَتَمُّ شَفَقَةً، كَمَا لَوْ لَمْ يُسَافِرْ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرًا (لِحَاجَةٍ) وَيَعُودُ (بَعْدُ) الْبَلَدُ الَّذِي أَرَادَهُ (أَوْ لَا) أَيْ: لَمْ يُبْعِدْ (فَمُقِيمٌ) مِنْ أَبَوَيْهِ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ؛ إزَالَةً لِضَرَرِ السَّفَرِ. .فَصْلٌ: [تخييرُ الصَّبِيِّ بَيْنَ أَبَوَيْهِ]: قَالَ فِي الْمُبْدِعِ لَمْ أَقِفْ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى نَقْلٍ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبِنْتِ الْبِكْرِ (وَيَمْنَعُهَا) أَبُوهَا أَنْ تَنْفَرِدَ، وَيَمْنَعُهَا (مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَنْ تَنْفَرِدَ) بِنَفْسِهَا خَشْيَةً عَلَيْهَا. تَتِمَّةٌ: وَعَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ وَكُلِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ مَنْعُهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، فَإِنْ لَمْ تُمْنَعْ إلَّا بِالْحَبْسِ وَجَبَ حَبْسُهَا، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى الْقَيْدِ قُيِّدَتْ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْوَلَدِ أَنْ يَضْرِبَ أُمَّهُ؛ لِأَنَّهُ قَطِيعَةٌ لَهَا وَلَكِنْ يَنْهَى وَيُدَارِيهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلْأَوْلِيَاءِ مُقَاطَعَتُهَا بِحَيْثُ تُمَكَّنُ مِنْ السُّوءِ، بَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْهَوْهَا بِحَسَبِ قُدْرَتِهِمْ، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى رِزْقٍ وَكِسْوَةٍ كَسَوْهَا، يُقَدَّمُ بِذَلِكَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَلَيْسَ لَهُمْ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ تَخْتَصُّ بِالْحَاكِمِ وَالسَّيِّدِ. (وَلَا تُمْنَعُ أُمُّ) بِنْتٍ (مِنْ زِيَارَتِهَا) عَلَى الْعَادَةِ عَلَى مَا سَبَقَ (وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهَا) أَيْ: الْأُمِّ مَفْسَدَةً، وَلَا خَلْوَةً لِأُمٍّ مَعَ خَوْفِ أَنْ تُفْسِدَ قَلْبَهَا، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ وَيَتَوَجَّهُ فِي الْغُلَامِ مِثْلُهَا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَا تُمْنَعُ مِنْ (تَمْرِيضِهَا عِنْدَهَا) أَيْ: الْأُمِّ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ذَلِكَ (وَلَهَا) أَيْ: الْبِنْتِ (زِيَارَةُ أُمِّهَا إنْ مَرِضَتْ) الْأُمُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ. تَنْبِيهٌ: لَا يُمْنَعُ الرَّجُلُ مِنْ زِيَارَةِ ابْنَته إذَا كَانَتْ عِنْدَ أُمِّهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا، وَلَا يُطِيلُ الْمُقَامَ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ صَارَتْ بِالْبَيْنُونَةِ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ. (وَالْمَعْتُوهُ وَلَوْ أُنْثَى) يَكُونُ عِنْدَ أُمِّهِ (وَلَوْ كَبِرَ) لِحَاجَتِهِ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ، وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ، وَالنِّسَاءُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ، وَأُمُّهُ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ عُدِمَتْ أُمُّهُ فَأُمَّهَاتُهَا الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُقِرُّ مَنْ يَحْضُنُ) أَيْ: تَجِبُ حَضَانَتُهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ غَيْبَةٍ (بِيَدِ مَنْ لَا يَصُونُهُ وَيُصْلِحُهُ)؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ، فَتَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى مَنْ يَلِيه، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ حَضَرَتْهُ أُمُّهُ لِتَتَعَاهَدَ بَلَّ حَلْقِهِ وَنَحْوه؛ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ أَهْلِهِ وَتَتَوَلَّى مِنْ وَلَدِهَا، إذَا اُحْتُضِرَ مَا تَتَوَلَّاهُ حَالَ الْحَيَاةِ، فَتَشْهَدُهُ فِي حَالِ نَزْعِهِ، وَتَشُدُّ لَحْيَيْهِ، وَتُوَجِّهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَتُشْرِفُ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى غَسْلَهُ وَتَجْهِيزَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ. .كِتَابُ الْجِنَايَاتِ: قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الدَّاءُ وَالدَّوَاء: وَهَلْ تَمْنَعُ تَوْبَةُ الْمُسْلِمِ مِنْهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، فَاَلَّذِينَ قَالُوا: لَا تَمْنَعُ التَّوْبَةُ مِنْ نُفُوذِهِ، رَأَوْا أَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَمْ يَسْتَوْفِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَخَرَجَ مِنْهُمَا بِظِلَامَتِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ فِي دَارِ الْعَدْلِ. قَالُوا: وَمَا اسْتَوْفَاهُ الْوَارِثُ فَإِنَّمَا اسْتَوْفَى مَحْضَ حَقِّهِ الَّذِي خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ اسْتِيفَائِهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ، وَمَاذَا يَنْتَفِعُ الْمَقْتُولُ مِنْ اسْتِيفَاءِ وَارِثِهِ؟ وَأَيُّ اسْتِدْرَاكٍ لِظِلَامَتِهِ حَصَلَ لَهُ بِاسْتِيفَاءِ وَارِثِهِ؟ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ. إنَّ حَقَّ الْمَقْتُولِ لَا يَسْقُطُ بِاسْتِيفَاءِ الْوَارِثِ، سَوَاءٌ عَفَا أَوْ أَخَذَ الدِّيَةَ أَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ، وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَرَأَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَاسْتِيفَاءِ الْوَارِثِ؛ فَإِنَّ التَّوْبَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا، وَاَلَّذِي جَنَاهُ قَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ، قَالُوا: وَإِذَا كَانَتْ التَّوْبَةُ تَمْحُو أَثَرَ الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَمَا هُوَ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ الْقَتْلِ، فَكَيْفَ تَقْصُرُ عَنْ مَحْوِ أَثَرِ الْقَتْلِ؟ وَقَدْ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَةَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَجَعَلَهُمْ مِنْ خِيَارِ عِبَادِهِ، وَدَعَا الَّذِينَ حَرَّقُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ إلَى التَّوْبَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} فَهَذِهِ فِي حَقِّ التَّائِبِ، وَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْكُفْرَ وَمَا دُونَهُ. قَالُوا: وَكَيْفَ يَتُوبُ الْعَبْدُ مِنْ الذَّنْبِ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ؟ هَذَا مَعْلُومٌ انْتِفَاؤُهُ فِي شَرْعِ اللَّهِ وَجَزَائِهِ. قَالُوا: وَتَوْبَةُ هَذَا الْمُذْنِبِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ، وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَى الْمَقْتُولِ، فَأَقَامَ الشَّارِعُ وَارِثَهُ مَقَامَهُ، وَجَعَلَ تَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَيْهِ كَتَسْلِيمِهَا إلَى الْمَقْتُولِ بِمَنْزِلَةِ تَسْلِيمِ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ لِوَارِثِهِ؛ فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمُوَرِّثِ. (وَالتَّحْقِيقُ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (أَنَّ الْقَتْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ) ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ (حَقٌّ لِلَّهِ وَ) حَقٌّ (لِلْمَقْتُولِ وَ) حَقٌّ (لِوَلِيِّهِ) فَإِذَا سَلَّمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إلَى الْوَلِيِّ نَدَمًا عَلَى مَا فَعَلَ، وَخَوْفًا مِنْ اللَّهِ، وَتَوْبَةً نَصُوحًا (فَحَقُّ اللَّهِ يَسْقُطُ بِتَوْبَتِهِ وَتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْوَلِيِّ، وَحَقُّ الْوَلِيِّ يَسْقُطُ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الصُّلْحِ أَوْ الْعَفْوِ، وَيَبْقَى حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ الْمُحْسِنِ (وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ) وَلَا يَذْهَبُ حَقُّ هَذَا، وَلَا تَبْطُلُ تَوْبَةُ هَذَا. انْتَهَى (مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ) بَرَّدَ اللَّهُ مَضْجَعَهُ. .[أَنواعُ الْقَتْلِ]: أَحَدُهَا: (عَمْدٌ يَخْتَصُّ الْقَوَدُ بِهِ) دُونَ قَسِيمَيْهِ. وَالثَّانِي: (شِبْهُ عَمْدٍ) وَيُقَالُ: خَطَأُ الْعَمْدِ وَعَمْدُ الْخَطَأِ. (وَ) الثَّالِثُ: (خَطَأٌ) وَهَذَا تَقْسِيمُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَنْكَرَ مَالِكٌ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ، وَجَعَلَ شِبْهَ الْعَمْدِ مِنْ قِسْمِ الْعَمْدِ، وَحُكِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا إنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَهَذَا نَصٌّ فِي ثُبُوتِ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَقَسَّمَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُقْنِعِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، فَزَادَ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ، وَهُوَ أَنْ يَتَقَلَّبَ النَّائِمُ عَلَى شَخْصٍ فَيَقْتُلَهُ، وَمَنْ يُقْتَلُ بِسَبَبٍ، كَحَفْرِ بِئْرٍ مُحَرَّمٍ، وَنَحْوِهِ مِنْ الصُّوَرِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِسْمِ الْخَطَإِ. .[الأولُ: الْعَمْدُ]: تَتِمَّةٌ: وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُعْهَدْ وُصُولُ زِيَادَةِ الْمَاءِ إلَيْهِ، أَوْ تُحْتَمَلُ زِيَادَةُ الْمَاءِ وَعَدَمُهَا فِيهِ، فَوَصَلَتْ إلَيْهِ الزِّيَادَةُ، وَمَاتَ بِهَا؛ فَشِبْهُ عَمْدٍ لِمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ زِيَادَةَ الْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَلْقَاهُ مَشْدُودًا، فَمَاتَ بِهِ؛ فَهُوَ عَمْدٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا. الصُّورَةُ (الرَّابِعَةُ: أَنْ يُلْقِيَهُ فِي مَاءٍ يُغْرِقُهُ أَوْ نَارٍ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ) مِنْهُمَا إمَّا لِكَثْرَتِهِمَا أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّخَلُّصِ لِمَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ صِغَرٍ، أَوْ كَانَ مَرْبُوطًا، أَوْ مَنَعَهُ الْخُرُوجَ كَوْنُهُ فِي حُفْرَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصُّعُودِ مِنْهَا (فَيَمُوتُ) فَيُقْتَلُ بِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بَعْدَ فِعْلٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ؛ فَوَجَبَ كَوْنُهُ عَمْدًا، وَكَذَا إنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتٍ، وَأَوْقَدَ فِيهِ نَارًا، أَوْ سَدَّ الْمَنَافِذَ الَّتِي لِلْبَيْتِ حَتَّى اشْتَدَّ الدُّخَانُ وَضَاقَ بِهِ النَّفَسُ، أَوْ دَفَنَهُ حَيًّا، أَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ ذَاتِ نَفَسٍ عَالِمًا بِذَلِكَ فَمَاتَ؛ فَعَمْدٌ (وَإِنْ أَمْكَنَهُ) التَّخَلُّصُ (فِيهِمَا)؛ أَيْ: مَسْأَلَتَيْ إلْقَائِهِ فِي الْمَاءِ وَالنَّارِ، فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ (هَدَرٌ) لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِمَوْتِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَشَرْحِ ابْنِ رَزِين. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (لَا أَنَّهُ يَضْمَنُهُ فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ)، وَهِيَ مَا إذَا أَلْقَاهُ فِيمَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ (بِالدِّيَةِ خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ، وَإِنْ كَانَ؛ أَيْ: أَلْقَاهُ فِي نَارٍ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَاتَ؛ فَلَا قَوَدَ، وَيَضْمَنُهُ بِالدِّيَةِ. انْتَهَى. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا تُعْلَمُ قُدْرَةُ الْمُلْقَى فِي الْمَاءِ أَوْ النَّارِ عَلَى التَّخَلُّصِ بِقَوْلِهِ: أَنَا قَادِرٌ عَلَى التَّخَلُّصِ أَوْ نَحْوُ هَذَا. الصُّورَةُ (الْخَامِسَةُ: أَنْ يَخْنُقَهُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) فَيَمُوتُ؛ فَيُقْتَلُ بِهِ، سَوَاءٌ جَعَلَ فِي عُنُقِهِ خُرَاطَةً، ثُمَّ عَلَّقَهُ فِي شَيْءٍ عَنْ الْأَرْضِ، فَيُخْنَقُ، فَيَمُوتُ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ زَمَنٍ، كَمَا يُفْعَلُ بِنَحْوِ اللُّصُوصِ، أَوْ خَنَقَهُ بِيَدِهِ أَوْ نَحْوِ حَبْلٍ، وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ (أَوْ يَسُدُّ فَمَهُ، وَأَنْفَهُ) زَمَنًا يَمُوتُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً، فَيَمُوتُ (أَوْ بِعَصْرِ خُصْيَتَيْهِ زَمَنًا يَمُوتُ فِي مِثْلِهِ غَالِبًا، فَيَمُوتُ) فَيُقْتَلُ بِهِ لِمَا سَبَقَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ سَدُّ الْفَمِ، وَالْأَنْفِ جَمِيعًا، فَلَوْ سَدَّ أَحَدَهُمَا فَلَا قَوَدَ. قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي الْغَالِبِ لَا تَفُوتُ إلَّا بِسَدِّهِمَا، وَإِنْ كَانَ سَدَّ الْفَمَ، وَالْأَنْفَ، أَوْ عَصَرَ الْخُصْيَتَيْنِ فِي مُدَّةٍ لَا يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا؛ فَشِبْهُ عَمْدٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا إلَى الْغَايَةِ، بِحَيْثُ لَا يُتَوَهَّمُ الْمَوْتُ فِيهِ، فَمَاتَ فَهَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ. تَتِمَّةٌ: إذَا خَنَقَهُ، وَتَرَكَهُ مُتَأَلِّمًا حَتَّى مَاتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا. وَإِنْ تَنَفَّسَ الْمَخْنُوقُ، وَصَحَّ بَعْدَ الْخَنْقِ ثُمَّ مَاتَ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْخَانِقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَرِئَ الْجُرْحُ ثُمَّ مَاتَ. الصُّورَةُ (السَّادِسَةُ: أَنْ يَحْبِسَهُ، وَيَمْنَعَهُ الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ) أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا (فَيَمُوتُ جُوعًا، وَعَطَشًا لِزَمَنٍ يَمُوتُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا) فَيُقَادُ بِهِ (بِشَرْطِ تَعَذُّرِ الطَّلَبِ عَلَيْهِ)، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالزَّمَنِ، وَالْحَالِ، فَفِي شِدَّةِ الْحَرِّ إذَا عَطَّشَهُ يَمُوتُ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ، بِخِلَافِ زَمَنِ الْبَرْدِ، وَالِاعْتِدَالِ (وَإِلَّا) يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ الطَّلَبُ (فَلَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ وَلَا حَدَّ، كَتَرْكِهِ)؛ أَيْ: الْمَقْصُودِ ظُلْمًا (شَدَّ فَصْدِهِ) لِحُصُولِ مَوْتِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَتَسَبُّبِهِ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ مَنَعَهُ الْفَاصِدُ شَدَّ الْفَصْدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَبْسِهِ، وَمَنْعِهِ الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ حَتَّى مَاتَ؛ فَيُقَادُ بِهِ (أَوْ يَمْنَعُهُ الدِّفْءَ فِي الْبَرْدِ الْمُهْلِكِ) قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فَيَمُوتُ؛ فَيُقَادُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِالْمَوْتِ عِنْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا تَعَمَّدَهُ الْإِنْسَانُ فَقَدْ تَعَمَّدَ الْقَتْلَ. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ كَانَ حَبَسَهُ مَعَ مَنْعِهِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَنَحْوَهُ فِي مُدَّةٍ لَا يَمُوتُ فِيهَا غَالِبًا؛ فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَإِ، وَإِنْ شَكَكْنَا فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مُوجِبِهِ. الصُّورَةُ (السَّابِعَةُ: أَنْ يَسْقِيَهُ سُمًّا) يَقْتُلُ غَالِبًا (لَا يَعْلَمُ بِهِ) شَارِبُهُ (أَوْ يَخْلِطَهُ بِطَعَامٍ، وَيُطْعِمَهُ) لِمَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ (أَوْ) يَخْلِطَهُ (بِطَعَامٍ أَكَلَهُ، فَيَأْكُلُهُ جَهْلًا) بِهِ (فَيَمُوتُ) فَيُقَادُ بِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِمُحَدَّدٍ، لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَشِيرُ بْنُ الْعَلَاءِ، فَلَمَّا مَاتَ بَشِيرٌ أَرْسَلَ إلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (فَإِنْ عَلِمَ بِهِ)؛ أَيْ: السُّمِّ (آكِلٌ مُكَلَّفٌ) فَهَدَرٌ، كَمَا لَوْ قَدَّمَ إلَيْهِ سِكِّينًا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، وَإِنْ كَانَ الْآكِلُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ ضَمِنَهُ، وَاضِعُ السُّمِّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا عِبْرَةَ بِفِعْلِهِ (أَوْ خَلَطَهُ)؛ أَيْ: السُّمَّ (بِطَعَامِ نَفْسِهِ، فَأَكَلَهُ أَحَدٌ بِلَا إذْنِهِ؛ فَهَدَرٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَتَلَ نَفْسَهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا لِيَقَعَ فِيهِ اللِّصُّ إذَا دَخَلَ يَسْرِقُ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْهُ فِي الْأَكْلِ، وَإِنْ كَانَ مَا سَقَاهُ لَهُ مِمَّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَقَتَلَهُ؛ فَشِبْهُ عَمْدٍ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْجِنَايَةَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي السُّمِّ الْمُسْقَى لَهُ، هَلْ يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ لَا-، وَثَمَّ بَيِّنَةٌ لِأَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهَا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوِي الْخِبْرَةِ، وَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: إنَّ ذَلِكَ السُّمَّ يَقْتُلُ النِّصْفَ الضَّعِيفَ دُونَ الْقَوِيِّ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ عُمِلَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاقِي؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. الصُّورَةُ (الثَّامِنَةُ: أَنْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ) يَعْلَمُ أَنَّهُ (يَقْتُلُ غَالِبًا) فَيُقْتَلُ بِهِ- أَيْ: قَوَدًا- كَمَا فِي الْمُنْتَهَى لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: يُقْتَلُ حَدًّا بِالسَّيْفِ فِي مِفْصَلِ عُنُقِهِ، وَتَجِبُ دِيَةُ الْمَقْتُولِ فِي تَرِكَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ فَإِنْ كَانَ السُّمُّ أَوْ السِّحْرُ مِمَّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَيَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ حُكْمُ الْمِعْيَانِ، وَالْقَاتِلِ بِالْحَالِ (وَمَتَى ادَّعَى قَاتِلٌ بِسُمٍّ أَوْ سِحْرٍ عَدَمَ عِلْمِهِ أَنَّهُ)؛ أَيْ: السُّمَّ أَوْ السِّحْرَ (قَاتِلٌ) لَمْ يُقْتَلْ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ مَا يَقْتُلُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَحَهُ، وَقَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الْجُرْحَ يَقْتُلُهُ. أَوْ ادَّعَى قَاتِلٌ بِسُمٍّ أَوْ سِحْرٍ (جَهْلَ مَرَضٍ) يَقْتُلُ مَعَهُ السُّمُّ أَوْ السِّحْرُ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فِي الصِّحَّةِ، وَكَانَ مَرِيضًا فَمَاتَ، وَادَّعَى الضَّارِبُ جَهْلَ مَرَضٍ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (، وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَرَضُهُ خَفِيًّا) لَا يُدْرَكُ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالظَّاهِرُ قَبُولُ قَوْلِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الصُّورَةُ (التَّاسِعَةُ: أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ) فَأَكْثَرَ (عَلَى شَخْصٍ بِقَتْلٍ عَمْدٍ أَوْ بِرِدَّةٍ حَيْثُ امْتَنَعَتْ تَوْبَتُهُ) كَأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ أَوْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، أَوْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ أَوْ سَاحِرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، أَوْ يَشْهَدَ (أَرْبَعَةٌ) فَأَكْثَرُ (بِزِنَا مُحْصَنٍ، فَيُقْتَلُ) بِشَهَادَتِهِمْ (ثُمَّ تَرْجِعُ الْبَيِّنَةُ، وَتَقُولُ: عَمَدْنَا قَتْلَهُ، أَوْ يَقُولُ الْحَاكِمُ: عَلِمْت بِكَذِبِهِمَا أَوْ كِذْبَهُمْ، وَعَمَدْت قَتْلَهُ، أَوْ) يَقُولُ (الْوَلِيُّ عَلِمْت كِذْبَهُمَا، وَعَمَدْت قَتْلَهُ؛ فَيُقَادُ بِذَلِكَ) كُلِّهِ، وَشِبْهِهِ، بِشَرْطِ الْقَوَدِ الْآتِي فِي بَابِهِ؛ لِمَا رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْت أَيْدِيَكُمَا وَلِأَنَّهُمَا تَوَصَّلَا إلَى قَتْلِهِ بِسَبَبِ يَقْتُلُ غَالِبًا أَشْبَهَ الْمُكْرَهَ. (وَلَا قَوَدَ عَلَى بَيِّنَةٍ، وَ) لَا عَلَى (حَاكِمٍ مَعَ مُبَاشَرَةٍ وَلِيٍّ) عَالِمٍ بِالْحَالِ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ عَمْدًا عُدْوَانًا، وَغَيْرُهُ مُتَسَبِّبٌ، وَالْمُبَاشَرَةُ تُبْطِلُ حُكْمَ التَّسَبُّبِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ. (، وَيَخْتَصُّ بِهِ)؛ أَيْ: الْقِصَاصَ إذَا لَمْ يُبَاشِرْ الْوَلِيُّ الْقَتْلَ (مَعَ عَمْدِ الْجَمِيعِ) يَخْتَصُّ (مُبَاشِرٌ عَالِمٌ) أَقَرَّ بِالْعِلْمِ، وَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ ظُلْمًا؛ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ عَمْدًا ظُلْمًا بِلَا إكْرَاهٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ ذَلِكَ (فَوَلِيٌّ) أَقَرَّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِ الشُّهُودِ، وَفَسَادِ الْحُكْمِ بِالْقَتْلِ، وَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ ظُلْمًا؛ لِمَا سَبَقَ فَإِنْ جَهِلَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ (فَبَيِّنَةٌ، وَحَاكِمٌ) عَلِمَ كَذِبَهَا؛ لِتَسَبُّبِ الْجَمِيعِ فِي الْقَتْلِ ظُلْمًا حَيْثُ عَلِمُوا ذَلِكَ (وَمَتَى لَزِمَتْ حَاكِمًا، وَبَيِّنَةَ دِيَةٍ) كَأَنْ عَفَا الْوَلِيُّ إلَى الدِّيَةِ، فَهِيَ (عَلَى عَدَدِهِمْ، وَالْحَاكِمُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ)؛ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي التَّسَبُّبِ. (وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ) شُهُودٍ (ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ: عَمَدْنَا) قَتْلَهُ، وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ (أَخْطَأْنَا؛ فَلَا قَوَدَ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِتَمَامِ النِّصَابِ بِدُونِهِ (وَعَلَى مَنْ قَالَ) مِنْهُمْ (عَمَدْنَا، حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَ(عَلَى الْآخَرِ) حِصَّتُهُ (مِنْ) الدِّيَةِ (الْمُخَفَّفَةِ)؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى إقْرَارِهِ، وَإِنْ قَالَ وَاحِدٌ (مِنْ اثْنَيْنِ): عَمَدْت، وَقَالَ الْآخَرُ: أَخْطَأْت (لَزِمَ الْمُقِرَّ بِعَمْدِ الْقَوَدُ، وَالْآخَرَ نِصْفُ الدِّيَةِ) مُؤَاخَذَةً لِكُلٍّ بِإِقْرَارِهِ (وَلَوْ قَالَ كُلٌّ) مِنْ اثْنَيْنِ (عَمَدْت، وَأَخْطَأَ شَرِيكِي) فَعَلَيْهِمَا (الْقَوَدُ)؛ لِاعْتِرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِتَعَمُّدِ الْقَتْلِ. (وَلَوْ رَجَعَ، وَلِيٌّ وَبَيِّنَةٌ؛ ضَمِنَهُ، وَلِيُّ)، وَحْدَهُ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَمَنْ جَعَلَ فِي حَلْقِ مَنْ)؛ أَيْ: إنْسَانٍ (تَحْتَهُ، وَنَحْوَهُ خِرَاطَةً حَجَرًا)؛ أَيْ: حَبْلًا، وَنَحْوَهُ مَعْقُودًا بِصِفَةٍ مَعْرُوفَةٍ (وَشَدَّهَا بـِ) شَيْءٍ (عَالٍ، ثُمَّ أَزَالَ مَا تَحْتَهُ) مِنْ حَجَرٍ، وَنَحْوَهُ شَخْصٌ (آخَرُ) غَيْرُ الَّذِي جَعَلَ الْخِرَاطَةَ فِي حَلْقِهِ (عَمْدًا)؛ أَيْ: مُتَعَمِّدًا إزَالَتَهُ مِنْ تَحْتِهِ (فَمَاتَ) (فَإِنْ جَهِلَهَا)؛ أَيْ: الْخِرَاطَةَ بِحَلْقِهِ (مُزِيلٌ، وَدَاهُ)؛ أَيْ: أَدَّى دِيَةَ الْقَتِيلِ (مِنْ مَالِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ الْخِرَاطَةَ بِحَلْقِهِ، وَأَزَالَ مَا تَحْتَهُ (قُتِلَ بِهِ)، وَلَا شَيْءَ عَلَى جَاعِلِ الْخِرَاطَةِ، كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ. (، وَيَتَّجِهُ لَوْ أَزَالَهَا)؛ أَيْ: الْحَجَرَ (غَيْرُ آدَمِيٍّ) كَبَهِيمَةٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ رِيحٍ (ضَمِنَ الْأَوَّلُ)، وَهُوَ جَاعِلُ الْخِرَاطَةِ فِي حَلْقِهِ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ هُنَا تَضْمِينُ الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ؛ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُتَسَبِّبُ، فَضَمِنَ؛ لِئَلَّا يَضِيعَ دَمُ الْمَعْصُومِ هَدَرًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ شَدَّ عَلَى ظَهْرِهِ قِرْبَةً مَنْفُوخَةً، وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ)، وَهُوَ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ (فَخَرَقَهَا آخَرُ) فَخَرَجَ الْهَوَاءُ (فَغَرِقَ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي)؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ، وَالْأَوَّلُ مُتَسَبِّبٌ.
|